بعد مرور ما يقرب من قرنٍ من الزمان على كونها مجرد نظريةٍ ، نجح العلماء في جامعة هارفارد في إنتاج أندر المواد على هذا الكوكب ، ويحتمل أن تكون واحدةً من أثمنها.
هذه المادة – الهيدروجين الفلزّي الذرّي - تم تحضيرها من قِبل أستاذ العلوم الطبيعية إسحاق سيلفيرا وزميل ما بعد الدكتوراة رانجا دياس بالإضافة إلى مساعدة العلماء في الإجابة على الأسئلة الأساسية حول طبيعة المادة ، فإن لتلك المادة المكتشفة مجموعةً واسعةً من التطبيقات ، بما في ذلك كونها موصلٌ فائقٌ في درجة حرارة الغرفة وتم نشر هذا الموضوع في ورقةٍ بحثيةٍ يوم 26 يناير في مجلة Science.
يقول سيلفيرا: "هذه هي الكأس المقدسة لفيزياء الضغط العالي ، إنّها العينة الأولى على الإطلاق من الهيدروجين المعدني على الأرض "لذلك عندما كنا نبحث في ذلك ، كنا نبحث في شيءٍ لم يكن موجوداً من قبل".
حيث لإنتاج هذه المادة ضغط سيلفيرا ودياس عينةً صغيرةً …
في حين أن هذا العمل يفتح نافذةً جديدةً وهامةً في فهم الخصائص العامة للهيدروجين ، فإنه يوفر أيضاً تلميحاتٍ محيرةً من المحتمل أن تشكّل ثورةً في المواد الجديدة
يقول سيلفيرا: "أحد التنبؤات المهمة جداّ أنه من المتوقع أن يكون الهيدروجين المعدني شبه مستقرٍّ ، ما يعني أنه إذا تم إلغاء الضغط الواقع ، سيبقى كما هو معدنياً ، بطريقةٍ مشابهةٍ لتشكّل الماس من الجرافيت تحت الحرارة الشديدة والضغط ، ولكن يبقى الماس على حاله عندما تتم إزالتهما".
إن فهم إذا ما كانت هذه المادة مستقرةً أمرٌ هام ، لأن التوقعات تشير أن الهيدروجين المعدني يمكن أن يكون بمثابة موصلٍ فائقٍ في درجة حرارة الغرفة ، وهو أمرٌ يمكن أن يكون ثورياً حيث يتمّ فقد ما يصل إلى 15% من الطاقة المبددة أثناء الإرسال بالأسلاك العادية لذلك يمكن لاستخدام أسلاكٍ مصنوعةٍ من هذه المادة في الشبكة الكهربائية أن يغير هذا الأمر تماماً بحسب سيلفيرا.
إضافةً إلى ما سبق استخدام هذه المادة كونها موصلاً فائقاً يمكن أن يحدث تغييراً جذرياً لنظام النقل لدينا مما سيجعل من القطارات فائقة السرعة المغناطيسية أمراً ممكناً فضلاً عن جعل السيارات الكهربائية أكثر كفاءةً وتحسين أداء العديد من الأجهزة الإلكترونية كما يمكن للمادة أن توفر تحسيناتٍ كبيرةً في إنتاج الطاقة والتخزين - لأن الموصلات الفائقة ليس لديها أيّ مقاومةٍ داخليةٍ لذلك يمكن تخزينها من خلال الإبقاء على التيارات الكهربية في ملفاتٍ فائقة التوصيل ، ومن ثم استخدامها عند الحاجة.
وبالرغم من امتلاكه القدرة على تغيير شكل الحياة على الأرض ، فإن الهيدروجين المعدني يمكن أن يلعب دوراً رئيساً في مساعدة البشر على استكشاف الفضاء ، كأقوى وقودٍ دافعٍ للصواريخ يتم اكتشافه حتى الآن الى ان صناعة الهيدروجين المعدني تتطلب كميةً هائلةً من الطاقة وإن أردنا تحويله مرةً أخرى إلى الهيدروجين الجزيئي ، سوف تنبعث كل تلك الطاقة ، مما يمكن أن يجعله أقوى وقود دافع للصواريخ عرفه الإنسان ، وسبباً لثورةٍ في مجال صناعة الصواريخ.
ويتميز أكثر أنواع الوقود المستخدم اليوم فاعليةً بما يسمى بـ "النبضة المحددة" - وهو مقياسٌ لعدد الثواني المحددة لسرعة انطلاق الوقود الدافع من الجزء الخلفي من الصاروخ - والتي تقدر بـ 450 ثانية.والنبضة المحددة للهيدروجين المعدني على سبيل المقارنة من المتوقع أن تكون 1700 ثانية والأمر الذي من شأنه أن يسمح بسهولةٍ باستكشاف الكواكب الخارجية.
يقول سيلفيرا: "سنكون قادرين على وضع الصواريخ في المدار المراد الوصول إليه بخطوةٍ واحدةٍ فقط ، بدلاً من اثنتين ، كما يمكننا إرسال حمولاتٍ أكبر."
لإنتاج المادة الجديدة لجأ كل من سيلفيرا ودياس إلى إحدى أصعب الموادّ على الأرض - الماس ولكن بدلاً من الماس الطبيعي ، استخدما قطعتين صغيرتين من الماس الاصطناعي المصقول بعنايةٍ ثم جرى معالجتهما لجعلهما أكثر صلابة ومن ثم وضعهما عكس بعضهما البعض في جهاز يُعرف باسم خلية السندان الماسية ، وتم من ثم تلميعهما بمسحوق الماس ، لكي يزيل الكربون من السطح.
يقول سيلفيرا: "عندما نظرنا إلى الماس باستخدام المجهر الذري ، وجدنا عيوباً تؤدي إلى إضعاف الماس وكسره. يكمن حل ذلك باستخدام عملية إزالة الأيون النشط reactive ion etching process لإزالة طبقةٍ صغيرةٍ - سُمكها فقط خمسة ميكرون أو ما يساوي عُشر شعرة الإنسان - من سطح الماس ثم إحاطة الماس بطبقةٍ رقيقةٍ من الألومينا لمنع الهيدروجين من نشرها في التركيب البلوري ومن ثم إضعافه.
بعد أكثر من أربعة عقود من العمل على الهيدروجين المعدني ، وبعد قرابة قرنٍ من كونه نظرياً ، فإن رؤية هذه المادة لأول مرة كانت شيئاً مثيراً للغاية.
ونحن الآن بانتظار الأثر الذي سيحدثه الهيدروجين المعدني في قادم الأيام.